حيثيات حكم بداية الصوم - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

04-08-2015

حيثيات حكم بداية الصوم - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

بسم الله الرحمن الرحيم
حيثيات حكم بداية الصوم:
1- حيث أن موضوع حكم الصوم هو الشهر و قد ورد لفظ الشهر بالقرآن معرَّفاً.
2- و حيث أن القرآن ذكر صراحة أن الشهور القمرية هي شهور كونية منذ أن خلق الله السموات و الأرض ؟.
3- وحيث أن النص الشريف ذكر أن القرآن تم إنزاله في ليلة القدر ، أي أن شهر رمضان وليلة القدر لهما وجودهما الكوني الحقيقي وبدايتهما الكونية الحقيقية، والإنزال تم قبل وجود المسلمين وقبل خمسة عشر عاماً على الأقل من فرض الصوم .
4- و حيث أن كل العلماء السابقين قد ذكروا صراحةً أن رؤية الهلال هو علامة على بداية الشهر ، ( وليست الرؤية هي بداية الشهر ) .
5- و حيث أن بعض روايات طلب الرؤية قد قرنت صراحة مسألة الإعتماد على الرؤية بحال فقدان مصدر العلم ، وجهالة مقدار الشهر بأمية الأمة و جهلها بالحساب .
6- و حيث أن بعض الروايات الصحيحة أقرت صراحة ببداية الشهر و لو لم يُر الهلال .
7- و حيث أن بعض الروايات الصحيحة أوجبت القضاء على من علم لاحقاً بمتى كان(رأس الشهر) رغم إعتماده على الرؤية في بداية صومه.
8- و حيث أن بعض الروايات الصحيحة أفادت ضمناً بلزوم القضاء على أهل كل بلد لم يُر فيه الهلال أو حتى لم يعلم بولادته عند الغروب أو بُعيده .
9- و حيث أن بعض الروايات الصحيحة حكمت بأن النهار هو أول الشهر فيما لو أمكن رؤية الهلال (إفتراضاً) قبل الزوال .
10- و حيث ان عدةً من روايات إعتماد الرؤية شككت بإصابة الرؤية للواقع و علّق صوم الرائي على ما لم يشك .
11- و حيث أنه لا توجد أي رواية على الإطلاق تقول بلزوم الرؤية عند الغروب، ( وقد ذكر السيد الخوئي .قد. أن ليس لدينا أي نص يشترط الرؤية عند بداية الليل) .
12- و حيث أنه لا يوجد أي دليل شرعي على كون اليوم يبدأ بليل ثم نهار .
13_ و حيث أنه تبعاً لما سبق لا دليل على لزوم بداية الشهر بليل .
14_ و حيث أن صريح القرآن وعدة روايات تقرر أن النهار قبل الليل .
15_ و حيث أن بعض المؤرخين أفاد أن العرب لمّا ألزموا أنفسهم بالرؤية ولما كانت الرؤية لا تتاح عادة إلا عند الغروب لجأوا إلى اعتبار أن اليوم لابد وأن يبدأ بليل و لزوم أن يبدأ الشهر بغروب بلا علم و لا دليل شرعي .
16_ و حيث أنه قد ورد الكثير من الروايات الصحيحة التي ترشد إلى أساليب متعددة لتحديد بداية الشهر عن غير طريق الرؤية في الغروب الأول .
17_ و حيث أن الكثير من الفقهاء في القرون الأولى بعد الهجرة قد إعتمدوا هذه الروايات و عملوا بها.
18_ و حيث ان شهرة الفتوى بالرؤية في الغروب كانت وليدة سياق تاريخي؟
19_ و حيث أن السياق التاريخي للفتوى كان له ظروفه و أشخاصه المؤثرين في الأتباع و العوام ؟
20_ و حيث أن شهرة الفتوى بلزوم حصر إعتماد بداية الشهر برؤية الغروب, تصطدم بعشرات النصوص الصريحة و الصحيحة التي تمنع هذا الحصر.
21_ و حيث أن الأدلة الشرعية تفيد بما لا مجال للإعتراض عليه أن الرؤية عند الغروب ( إن أمكنت) هي وسيلة و طريقة من عديد الوسائل و الطرق التي يمكن إعتمادها لتحديد بداية الشهر .
22_ و حيث أن المطلوب أولاً و أخيراً هو صوم شهر رمضان من أول نهار فيه .
23_ و حيث أن الصوم عبادة نهارية يبدأ من فجر و ينتهي بغروب .
24_ و حيث أن شروط الوجوب و الصحة يفترض توفرها عند الفجر .
=== إستناداً إلى ما جاء من حيثيات يُمكن عندها القول بالآتي :
أنه كلما ثبت ولادة شهر رمضان حقيقة قبل الفجر : فقد وجب صوم ذلك النهار على أنه أول نهارات الشهر الكريم . وكلما ثبت ولادة شهر شوال قبل الفجر فقد وجب الفطر .
ملاحظات على ذكر الأهلة في القرآن الكريم :
ورد عن لسان بعض أهل العلم والفضل أن الذكر الصريح لعبارة الأهلة قد شكل مانعاً من الفتوى ببداية الشهر الكريم بمجرد تأكد البداية الكونية له .
والواضح أن المقصود هو الآية 189 من سورة البقرة : ( يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج ) وقد فهم الكثير من العلماء أن كلمة الأهلة تشير إلى خصوصية مجعولة للهلال في الحكم .
= أقول قبل التسليم أن عبارة الأهلة في الآية يُقصد منها القدر المرئي أو القابل للرؤية من القمر ، وليست كناية عن بداية الشهر والدورة الكونية للقمر .
لا بد من تسجيل النقاط التالية :
– إن فهم الآية السالفة الذكر بشكل أكمل يحتاج إلى ربطها بالكثير من الآيات الأخر ، لا سيما الآيتان :
- (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يُفصل الآيات لقوم يعلمون ).
- (وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون) .
وفي هاتين الآيتين الكثير من التشابه : تُختصر بما يلي :
- عبارة (هو الذي جعل) الواردة في الآيتين .
- عبارة ( لتعلموا عدد ...) في الآية الأولى . و( لتهتدوا بها ) في الآية الثانية واللام في العبارتين واضحة في الغائية .
- عبارتي ( يُفصل الآيات لقوم يعلمون ) و ( قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) .
- ولا يخفى أن خلقَ الله وجعله لمواد وكائنات أظهر ما فيها خدمة الإنسان ، وسواء أدرك الإنسان فوائدها بوحي أو بعقل أو بأي سبيل علم ، لم يمنع الإنسان المؤمن أو العالم أو خلافهما من إبداع وسائل أخرى تؤدي نفس فوائدها لكنها أيسر تـناولاً وإستخداماً .
وليس من الناس من وجد حرجاً شرعيا في الإنتقال بالإنتفاع من الإسفنج البحري الطبيعي إلى الإسفنجو الصناعي . أو من الجلد الطبيعي إلى الصناعي . والأمثلة على ذلك لا تُعد ولا تُحصى ، ومنها : ما ذُكر في آية النجوم ومفاده أنها جُعلت للإهتداء بها في ظلمات الجهل بسُبل مسالك البر والبحر . فرغم أن النص قرآني والجعل إلهي إلا أن الناس بمسلمهم وغيره لم يجدوا أدنى حرج يمنعهم من الإستغناء عن النجوم والإنتقال إلى البوصلة والخرائط المدنية ولافتات الطرق . بل قَلَّ من يوجد من البشر في عالمنا من يعلم أو يتعلم نقاط الإهتداء في نجوم السماء ، ولم يقل أحد أن الناس خرجوا بذلك عن جادة الشرع والصواب .
ولا بُد من إشارة مهمة في المقام وهي أن عبارة (يُفصل أو فصلنا الآيات لقوم يعلمون ) تكاد تختزن السر المكنون في الآيتين .
فكلمة يُفصل بمعنى : يُبين . وفصلنا أي بَينّا .
والآيات: ومفردها آية قد وردت في القرآن بمعان عدة منها : المعاجز ، والدلائل ، والأحكام، والحِكَم أو العِبر .
ولو حاولنا إعادة تركيب الشطر المشار إليه من الآيتين بحسب أغلب المعان التي ذكرناها لكلمة (الآيات) ما كاد المعنى أن يستقيم .
فكيف ولِما تُبين المعاجز والدلائل والأحكام لقوم يعلمون؟ . ولقائل أن يقول أن التبيين إنما يكون لقوم يجهلون حتى يتحصل لديهم العلم بها .
والذي نراه إحتمالاً صائباً هنا أن كلمة (الآيات) يُقصد بها الحِكَمُ والعِبرُ .
وهذه أمور لا يُدرك مغزاها وأبعادها إلا قومٌ هم أهل علم .
وأهل العلم هم الأقدر على فهم الحِكمة والعبرة والنسج على منوالها .
لذلك : يُفصل (أي يُبين) وفصلنا (أي بيّنا) الآيات (أي الحِكَم والعِبر من خلق وجعل منازل القمر والإهتداء بالنجوم ) لقوم يعلمون (أي لديهم نصيب من العلم يُتيح لهم إمكان الإعتماد على نُظم الكون وفوائده للأخذ منها والبناء عليها .
فمن يعلم لا يُفوّت على نفسه تمام الإستفادة من نتاجات علمه . وإلا فما موقع هذا الشطر في النص الشريف ؟.
وعليه أقول :
أن ذكر النجوم والأهلة إنما كان من باب التمثيل بالفوائد الكونية ، وليس من باب حصر الحُكم والتكليف .
والتمثيل لا يمنع الإبداع والإستفادة منه . بل هو حث على ذلك . بل أقول أنه ليس من رافض لقول أن ذلك مطلب إلهي عبّر عنه الشطر الأخير في الآيتين . أي أن الحكمة هي في إستغلال نتاجات العلم لإستنفاذ الموجودات في نظم كل ما فيه صالح الإنسان .
تبقى إشارة حول عبارة ( مواقيت للناس والحج ) والرأي فيها مع ملاحظة أن (الإنسان) و (الحج) ليسا من جنس واحد :
أنها تحتمل أحد تفسيرين أو الإثنين معاً :
الأول : أن شؤون الناس قسمان : معاملات حياتية وأخرى عبادية . والإنسان يحتاج في كليهما إلى نظام مواقيت .
والآية تُرشد إلى إمكانية الإستفادة من دورة الأهلة في الجانبين.
الثاني : أن الناس إثنان : مؤمن وغير مؤمن . والإثنان يحتاجان في حياتهما إلى نظام مواقيت , والآية تُرشد الإثنين إلى إمكانية الإستفادة من الأهلة .
وبالسيرة التاريخية والواقعية إستغنى المؤمنون في معاملاتهم الحياتية وإستغنى غير المؤمنين أيضاً عن دوام الإرتباط بمواقيت الأهلة ، ولم يُر في إستغنائهم كفر ولا زندقة ولا عدم إدراك لمصالحهم .
فما الذي أمضى وأجاز وصحح الإستغناء في جانب ومنعه في آخر ؟.
وكيف صُححت صلاة من إعتمد في الشروق والغروب والزوال على التقاويم والبرامج الجاهزة
ومُنع ذلك في أمور أخرى ؟.