الدين والمذهبة - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

03-05-2016

الدين والمذهبة - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

باسمه تعالى
الدين والمذهبة :
لعل من أهم مصادر المعرفة البشرية هو التاريخ .
وصحيح أن التاريخ هو كمٌ هائل من الأحداث التي جرت بأيدي الناس وفي مقابل بعضهم ، إلا أنها أبداً لم تكن أحداثاً صدفية ، بل هي أفعال بإرادات قاصدة والأهم أنها ناتجة عن قناعات مترسخة في عقول وعواطف الأفراد والجماعات .
وإن كان التاريخ قد سجّل بأحرف من نور إنتفاضات مفكّرين ومصلحين
( أنبياء وغيرهم ) على الواقع كل فترة قصُرت أو طالت ، إلا أن أطناناً من الأقلام السوداء خطّت بأحبار الدم على صفحات كل الأيام أغرب وأبشع أنواع الجنايات .
لكن حيث أن الفكر الإلهي الذي أؤمن بحروفه بكل ذرات كياني نصّ أن الله لا يُغيّر ما بقوم حتى يُغيروا ما أنفسهم.
وحيث أن التغيير لا يكون إلا بعد إعتراف (الضحية أقلّه) بفساد الواقع .
وحيث أن أعظم الجهاد كلمة حق .
لذا أقول :
دأب كثيرون على إعتبار أن ثالوث الفقر والجهل والمرض هي الأسباب الحصرية للفساد والفتن .
لكن بدراستي للواقع والتاريخ وجدتُ أن ثالوثاً آخر وهو ( فجّار السياسة وتجّار الدين وغباء العامة ) أصل فساد وإهلاك الحرث والنسل ، والثالوث الأول ما هو إلا بعض نتاجات جهوده .
وحتى لا أستطرد كلاماً في غير محله سأحصر كلامي في ثاني الشياطين الثلاثة وهو ما أسميته ب ( تُجّار الدين ) لأفيد :
أن لكل شيء أصله وجذوره التي إذا عرفتها حقاً إستطعت عندها الحكم على ما صحّ عنه أو ما أُلصق به زوراً .
وبما أن ما يعنيني مباشرة هو الإسلام وما يُرتكب بإسمه سأذكر إختصاراً الآيتين :
( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ )
( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ )
قائلاً إن من لا يرى فيهما أصل الإسلام وجذره ، ومن لا يحكم من خلالهما على كل فعلٍ وقولٍ ،وعلى أن ما وافقهما كان إسلاماً وما خالفهما كان فساداً وزندقة فإنه أعمى البصر والبصيرة .
إذاً ما الذي نراه ؟؟؟
وجواباً سأنقل إبتداءً ما سردته بعض كتب المسلمين :
أنه قد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار.
وإيرادي لهذا حتى لا يتفاجأ البعض من الآتي .
فقد توفي النبي الأعظم (ص) وكان بعد النبوة الخلافة لثلاثين من السنين وبعدها المُلك العضوض ، ونشأت المذاهب وحملت القرون مئات وآلاف من علماءالمسلمين : منهم من سطع نور علمه وخفت ، ومنهم من حفظت الدهور والصدور ما نطق لسانه وسال به قلمه .
لكن أعجب وأغرب ما وصل إلينا أنه لأكثر من ألف سنة والجمهور الأعظم من هؤلاء العلماء ما تركوا جهداً إلا وبذلوه في تبشير كلٍ لمذهبه والتشنيع على مذاهب الآخرين .
ولم يقتصر الأمر عند الأغلب على بيان حقٍ وإبطال باطل .
بل الأدهى والأمرّ أنهم أجاز كلٌ لنفسه تفسيق الآخرين وتكفيرهم مبرراً لنفسه وموهماً لأتباعه أنه حامي حِمى الإسلام.
ولو أمكنك البحث والإستقصاء لوجدت أكثر العبارات إيراداً في كتبهم ما صرّحوا به بالتوهين والتكذيب والتكفير.
ولو رصدت كلامهم على إختلاف مذاهبهم ودون استثناء لوجدتهم غالباً أحد إثنين:
إما يُقدّم الإسلام على أنه العنونة الخالصة لمذهبه.
أو يُقدّم مذهبه على أنه الإنعكاس الوحيد للإسلام .
حتى وصل الفجور في تصريح كل منهم أن مذهبه هو دين الإسلام عيناً ، وأن مذهب الآخر دين آخر لا يمتُّ إلى الإسلام بصلة .
ولعل أكثر ما صدمني في قراءَاتي كثرة الكذب الفاضح عند كثير ممن يُسمون علماء المذاهب في حق عقائد وفقه المذاهب الأخرى ونسبة كل منهم إلى الآخر ما لا يستسيغه عقل ولا عُرف .
والطامة الكبرى عند هؤلاء أنهم:
إما ينقلون أقوالاً بلا مستند خطي ،
وإما يبترون نصوص الآخر تصديقاً لفرياتهم ،
وإما ينقلون أحكاماً بالتفسيق والتكفير عن أسماء لامعة في ميدان العلم بحق أفرادٍ وجماعات ولو أمعنت التدقيق تاريخياً لوجدت هذه الأقوال منسوبة لهم أو أنها قصدت أشخاصاً وجماعات إندثرت في حينها .
ومما فاجأني :
أن أغلب علماء كل مذهب يقول بعدم جواز أخذ المرويات عن رجال المذهب الآخر بينما تجد صريحاً عن بعض أساطين العلم عند المذهبين أنه لو إقتصر الأخذ على رجال المذهب لضاع الكثير من فقه المذهب ولذا قالوا تبريراً : لنا صدقه وعليه بدعته .
من هنا يهمني القول والله حسبي :
= إن المذهبية كانت وما زالت أخبث وباء أضرّ بالإسلام.
= إن تعدد المذاهب الفكرية وعوضاً عن أن تكون مصدر غِنى في مسالك فهم الدين صارت مصدراً لتشويه الدين وتفرقة أتباعه .
= إن المذهبية تحولت عصبيات مقيتة أبشع وأخطر من العصبيات العشائرية .
= إن المذهبية أسالت من الدماء بين أتباع الدين الواحد أضعاف ما أسالته أي أسباب أخرى .
= إن المذهبية لم تزرع زرعاً أكثر عطاءً من بذور الحقد بين المسلمين، ونحو الآخرين .
= إن أبعد الناس عن نتاجات علماء المذهبية أولئك الرجال الذين نُسبت إليهم المذاهب.
= دون أدنى شك ودون تردد أقول إن أكثر وأول من يجب تبرئته من المذهبية ثلاثة : الله والقرآن والمعصوم .
= إن كل من يدّعي أن رضوان الله وجنانه مقتصران على مذهبه وأتباعه هو متقول متجاوز على حدود الله والرسول (ص) والقرآن .
وأخيراً أقول : لا عجب إن وجدتَ علماء المذهبية قد
غاب عن بصائرهم الإسلام وجوهره ، فقرأوا قوله تعالى أشداء وأشاحوا أنظارهم عن قوله رحماء.
وأخذوا صفات الكافرين والظالمين وأحكامهم وألصقوها ببعضهم.
كما أحالوا قلوب أتباعهم من مساكن للحب والعطاء إلى خناجر للطعن والغدر.
وسعى كثيرهم إلى ذوي السلطان تقرباً وإستنصاراً لمذهبه وتأليباً على غيره .
فهم تمذهبوا إدعاءً لمعرفة الإسلام الحق وجعلوا الإسلام مطية لمذاهبهم.
ولهذا ترى
آلافاً مؤلفة سُفكت دماءهم بالتبديع والتكفير لم تحفظ الكتب إلا أرقامهم بينما أسماء القتلة تناقلها التاريخ حتى صارت إلينا فصرنا أينما وجهنا أنظارنا لا نرى إلا قاتلاً وقتلى بإسم المذهب والدين.
ولله الأمرُ من قبل ومن بعد وهو حسبي ونعم الوكيل .