الحُبُ طريق النجاة - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

18-08-2016

الحُبُ طريق النجاة - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

باسمه تعالى
حكى أحدهم (الحُبُ طريق النجاة ) ( 1 ) :
تقدَّمت نحو مجلس الشيخ في زاويته
قالت : السلام عليكم
قال : وعليكم السلام والرحمة
قالت : هل لي بالجلوس ؟
قال : على الرحب والسعة .
قالت : أتيتكَ أسألكَ عن ما يُنجيني .
قال : يا ابنتي ، إن كنتِ على سفر فأنتِ بحاجة إلى مركبٍ.
قالت : يا شيخ ، قصدتُ النجاة في الآخرة.
قال : أعلمي ، وهل الدنيا إلا طريق سفر إلى الآخرة ، لذا قلتُ إنك بحاجة إلى مركب .
وأنا سأدلُكِ على مركب النجاة ومركب الهلاك .
قالت : سأكون لكَ شاكرة .
قال : يا ابنتي مركب النجاة مُكونٌ من قطعتين ، القلب واللسان .
قالت : أوضح أكثر ، وهل للهلاك أعضاءٌ أخرى ؟
قال : لا تعجلي ، وأما مركبُ الهلاك فأيضاً مُكون من قطعتين ، القلبُ واللسانُ .
قالت : عجيب وكيف ذلك ؟
قال : أما قرأتِ قوله تعالى : يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ .
وقول الرسول الأكرم (ص): وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟
قالت : نعم ، قرأت وأفهم مقصد الكلامين ، لكن أتمنى أن توضح لي أكثر . كيف يكون نفس المركب أوالآلة للنجاة أو الهلاك ، وما الحد الفاصل والعامل الأهم في ذلك ؟
قال : حسناً ، ولكني سأسألك وأجيبي : اترين هذا الكون حولك ؟ ماذا ترين فيه ؟
قالت : العَظَمَة ، والنظام والإتقان .
قال : وكيف خلقه الله ؟
قالت : بقدرته وحكمته وقال له كُن فكانَ .
قال : فقط ؟
قالت : وماذا يحتاج الخلق أكثر من ذلك ؟
قال : لو رأيتِ كُرسياً جميلاً بتمام المتانة وحُسن التنسيق ، ماذا تقولين عن صانعه ؟
قالت : أنه عالمٌ ماهرٌ في صنعته .
قال : فقط ؟
قالت : أليس هذا بكافٍ ؟
قال : ما رأيكِ لو كان مُكرهاً على صنع الكرسي رغم مهارته ؟
قالت : دون شك لن يكون بذات قدرِ الجمال والتنسيق .
قال : الآن أصبتِ . فالعلم والمهارة والقدرة كلها لا تكفي إن لم يكن معها حُب الصانع لصنعته .
بل إن لم يكن الحُب هو الأساس والمُحرّكَ والدافع .
قالت : فهمت ، ولكن لماذا سألتني عن الكون وخالقه ومن ثم لم ترض أن قدرة الله وحكمته كافيان لإبداع الخلق ؟
قال : أوتظنين أن الله خلق خلقه فقط بالقدرة والحكمة ؟ إذاً فاتكِ الأهم .
يا ابنتي إن الله لم يخلق هذا الكون بقدرته وحكمته وعظيم إبداعه إلا بالحُبِ .
قالت : وهل الله يُحبُ ويبغض ؟
قال : دون شك إن الله يُحبُ ما خَلَقَ لكنه لا يبغضُ .
قالت : وكيف ذلك ؟ كل من يُحب قد يبغضُ .
قال : هنا المربط والمحور وهنا الشُبهةُ الكُبرى .
لا يا ابنتي ، لأن الحُبَ كمال ، والبغض نقصٌ .
والحُب لا يكون إلا من غِنى ، والبغض لحاجة وفقرٍ.
قالت : لكن يا شيخ في القرآن الكثير من الآيات التي تقول إن الله لا يُحب كذا وكذا بل فيه وغضب الله عليه ... وهكذا .
قال : صحيح ، لكن هناك فرق شاسع بين عدم الحُب والبغض . فالله قد لا يُحب وقد يغضب لكنه لا يبغضُ .
ثم ألم تلاحظي الآيات التي فيها عبارة إن الله لا يُحب عن ماذا تتحدث ؟إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ،فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ،وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ،إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ، وهكذا ...
أي أن الله لا يُحب إتصافهم بهذه الصفات ، أو لا يُحبهم في حال تلبسهم بهذه الأفعال .
وانظري إلى قوله تعالى :
فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ .
أتعلمين معنى تاب ؟ أي رجع إلى ربه ، فيجده منتظراً رجوعه ، غافراً أي ساتراً لما سبق من فعله ليغمره برحمته.
بينما المُبغض لا يستر ولا يقبل حتى الإعتذار فكيف يغمره برحمته .
قالت : كلامك جميل ، لكن يا شيخ نحن بشرٌ .
قال : نعم ، ويريدنا الله أن نتصف بصفاته ، لأنه يريدُ لنا الكمال ولا يرضى لنا النقص .
قالت : وكيف نستطيع ذلك ؟
قال : الأمر سهل ، أسكني الله قلبكِ ، واطردي غيره .
ستجدين نفسكِ تنظرين دوماً إلى كل الأمور بعين الله .
يا ابنتي ذوبي في الله حتى لا يبقى منك شيء لغيره .
إعشقي شرعهُ ورضاه فيرضى ويعشقك من في الأرض والسماء.
إزرعي حبهُ في قلبكِ فينبت الحبُ فيكِ لكل من حولك .
قالت : إنكَ تطلب أمراً يصعبُ تحقيقه .
قال : نعم ، يصعب تحقيقه إذا كان قلبكِ يسكنه كل شيء غير الله ، أو تريدين إسكان كل شيء مع الله . بالله عليك عندها كم يبقى من مساحة قلبكِ لله ؟
قالت : يا شيخ ، أخذتني إلى عالم آخر .
قال : نعم ، أخذتك إلى عالم السعادة ، عالم الحُب الذي لا نعرفه ما دمنا كالسمكِ تغمرنا المياه كل العمر ولا نُصدّق أن هناك عالماً آخر غير الماء .
قالت : كلامك غريب ويُدغدغ القلب ، لكننا بشرٌ والواحد منا يتعرض من غيره للغدر والطمع والكراهية فكيف لنا أن نكون كما تقول ؟
قال : أما عرفتِ سبب حيرتك واستصعاب كلامي حتى الآن؟
قالت : ماذا تقصد ؟
قال : يا ابنتي لأنه عليكِ الإلتفات إلى أنكِ بين جهتين :
الله الذي يدعوكِ إلى الإتصاف بصفاته وأعظمها الحب .
والآخرون الذين يدعونكِ إلى الإتصاف بصفاتهم ومنها الغدر والطمع والإنتقام والكراهية .
وأنتِ إما أنك تُساوين بين الجهتين أوتُرجحين جهتهم على جهة الله ، ولهذا قلتُ لك أسكني الله قلبكِ واطردي الآخرين منه .
قالت : وماذا عنهم وأنا مضطرة للعيش معهم ومع غدرهم وأذاهم ؟
قال : أما قرأتِ قوله تعالى : إن الله يحب التوابين .
أتعلمين من هم التوّابون ؟ هم كثيروا الخطأ والمعصية والله لا يُحبهم حال معصيتم لكنه ينتظر رجوعهم إليه ، فإذا رجعوا إستقبلهم بأحضان ستره ورحمته وزادهم بحبه .
قالت : زدني بالله عليكَ .
قال : ما رأيكِ بقوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.
قالت : أفدني رجاءً .
قال : بإختصار : الشرك سيئة لا تمحوها أي حسنة ، والتوحيد حسنة لا تمحوها أي سيئة .
لذلك فالمؤمن الموّحد قد يرتكب المعاصي لكن لعظمة إيمانه بوحدانية الله فكل المعاصي قابلة للبحث في ميزان الثواب والعقاب تحت ظل المغفرة والستر والرحمة وحتى الشفاعة .
والله كأنه يقول : يا عبدي مهما إرتكبتَ من معاصٍ فإني لن أنس توحيدك لي .
بينما نحن إذا إرتكبَ من نقول أننا نُحبه سيئة ننسى كل حسناته السابقة وصفاته الطيبة ولا نرى أمامنا إلا خطأه معنا.
قالت : لكن بعض الناس قد يُظهر العداء لنا فكيف نُحبهم ؟
وهل يمكنك أنت أن تُحب عدوكَ ؟
قال : يا ابنتي ، نعم أحب عدوي لأن القلبَ المُحب لا يبغض، لكني أكره وأبغض فيه العداوة وقد يصل الأمر أن أقاتل عداوته لكن لا يزول حبي له ، وشوقي لنجاته أكبرُ من عداوته وكراهيته لي . أأترك كراهيته تغلب حبي ؟
قالت : زدتني حيرة وشوقاً وعندي الكثير من الأسئلة أحتاج إجاباتها .
قال : لك ذلك لكن يكفيكِ اليوم ، وإلى غدٍ بعون الله .