وقفة مع آية إكمال الدين - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

21-09-2016

وقفة مع آية إكمال الدين - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

باسمه تعالى
وقفة مع آية إكمال الدين :
- حيث أن الإسلام هو مذهبي الفكري دون غيره .
- وحيث أن القرآن الكريم والذي بين أيدي المسلمين جميعاً دون زيادة أو نقصان هو الكتاب الوحيد الذي أعتقد بصحة تمامه .
- وحيث أن المذهبية كانت وما زالت في نظري أخطر الطرق للإنحراف بالإسلام .
- وحيث أن تصنيم الأشخاص ولو كانوا من الفاضلين والأطهار كان وبالاً على صفاء فكر الإسلام ورسالته للإنسانية جمعاء .
- وحيث أن العقل المتجرد من عصبية الإنتماء هو الوسيلة الوحيدة التي يصلح الإعتماد عليها والتحاكم إليها عند التنازع .
- وحيث أن الرجوع إلى أهل كل علم وإختصاص هو ملاذ الجاهل الوحيد إذا أراد الوصول إلى الصواب .
- وحيث أن مرويات المسلمين بمختلف مذاهبهم خضعت تدويناً وتفسيراً وتحليلاً لعقول وأفهام علماء المذاهب .
- وحيث أن بعض الآيات الكريمة في الكتاب العزيز تحمل في ظاهر ألفاظها ما يشير إلى أبعاد وأهداف غاية في الأهمية .
- وحيث أن الإختلاف المذهبي في تفسير الآيات زاد في تشتت أفهام المسلمين وفرقتهم .
لذا أرى ضرورة محاولة فهم بعض الآيات الكريمة من منطلق التجرد عن أي إنتماء مذهبي وبالإعتماد على العلمية المُطلقة .
ومن ذلك آية إكمال الدين : )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ( .
لهذا نُشير إلى الآتي :
= النص المذكور هو شطر من الآية الثالثة من سورة المائدة والتي تبدأ وتنتهي بالحديث عن مُحرمات إضافة للإشارة إلى يأس الكُفار من زلزلة الدين.
= بالنسبة إلى ذكر المُحرمات يُشار أنه ليست الآية الوحيدة التي تتحدث في هذا الشأن التشريعي .
= آيات التشريع لا تقتصر على التحريم بل تتناول أيضاً الواجب والمُباح وغيرذلك .
= ذكر بعض علماء المذاهب أن إكمال الدين كان بإتمام تشريعات التحريم في هذه الآية . ولوحظ على ذلك:
- أن وفات الرسول الأعظم كانت بعد نزول هذه الآية بحوالي ثمانين يوماً .
- أن نزول الوحي بالآيات إستمر إلى أواخر أيامه صلوات الله عليه .
- أن من جملة ما نزل تلك الفترة آيات في التشريع .
- - لذلك فإن هذا القول ساقطٌ لما مرَّ ، فلم تكن هذه الآية آخر القرآن ولا آخر التشريع القرآني ، إضافةً إلى أنه بحسب إجماع المسلمين فإن تشريع الأحكام لا يقتصر على ما أُنزل في القرآن الكريم بل يُضاف إليه ما ثبت في ذلك عن لسان الرسول الأعظم .
- كما أن حصانة الدين من تهديد الكُفار وخطرهم لا يُمكن تصوره بإكتمال تشريع المحرمات . بل إن زيادة تشريع التحريم وحتى الواجب مدعاة أقوى للكُفار للتهويل على المسلمين بكثرة القُيود عليهم وضرورة التحرر من هذا الدين وتركه .
= قال بعضهم : (نرجح أن المقصود به فى الآية الكريمة هو إعلاء راية الإسلام عالية خفاقة فوق كل الرايات وإظهار هذا الدين على الدين كله ولو كره الكافرون ، ولو كره المشركون ) . وهذا القول واضح الضعف بدليل الواقع ولا يحتاج إلى تعداد أدلة بطلانه .
= قال بعض : أن إكمال الدين كان في ما يتعلق بأصول الأركان لا في متفرعاتها . ويُلاحظ على ذلك :
- أنه إذا كان المُراد بأصول الأركان بعض التشريعات الأساسية مثل الصلاة والصوم والحج ، فإنه يرد عليه ما أوردناه قبلاً . فليس التشريع بأركانه كما بتفرعاته يُكمل الدين ويُتم النعمة ويُبعد خطر الذين كفروا ويدفعهم إلى اليأس .
- وإن قيل أن المُراد هو إكتمال أصول العقائد والمنهج الفكري والنظام الأساسي الذي يُحصِّن كيان الإسلام والمسلمين من تداعيات التمزق والضعف ، لكان القول قوياً يستحق الوقوف عنده والتدبر فيه .
- - وهذا أدعى إلى إستنتاج يؤدي إلى يأس الذين كفروا من تهديد الدين وأتباعه .
= بالعودة إلى الآية أو شطرها المقصود بالكلام يَحسنُ تناولها كلمة كلمة ومن ثم محاولة فهم أدق لما تقصده.
- اليوم : كلمة يوم هي ظرف زمان : أي تحديد زمن وقوع الحدث ، و ( أل ) المُضافة في أولها هي أل العهدية : والمقصود بأل العهدية أي المعهود والمعروف عند السامع أو المُخاطب . والمعهود عند السامع إما أن يكون قد سبق ذكره في الكلام – أو معهوداً في ذهن السامع – أو حاضراً عند السامع . وعليه فإن "أل" في اليوم للعهد الحضوري يعني اليوم الذي نحن فيه الآن .
- - وفي هذا إفادة غاية في الأهمية وهي أن ما يلي في الكلام ينحصر ظرف زمن تحققه في ذات اليوم الحاضر ، مما يعني أيضاً أنه في ما سبق من أيام لم يكن متحققاً .
وهذه الحصرية في دقة زمن التحقق لا يُمكن تغافلها والتغاضي عنها ، وإلا كان بالإمكان نظرياً القول : قد أكملتُ لكم دينكم ...و ( قد ) تُستعمل لتأكيد تحقق الفعل. لهذا ف ( اليوم ) ليس عابراً كباقي الأيام بل ذكره بالنحو المُشار إليه دليلٌ على أهمية الحدث .
- أكملتُ : هي فعل إكمال لفاعلٍ حصراً هو الله عز وجل. والإكمال لا يكون إلا لناقصٍ – وأن يكون الفاعل للإكمال هو الله حصراً يُفيدُ في نحوين : 1- فداحة النقص . 2- أن الإكمال لا يتم بالنحو المفيد إلا بتولي الله عز وجل فعله ، ولا يصلح إيكاله إلى غيره .
- - وكون الدين بأصله صناعة الله عز وجل فمن الطبيعي أن يكون كل جزءٍ مكملٍ من صنعه هو لا غير .
- لكم : فيها إلتفاتة واضحة أن غاية الإكمال هي لكم أي للمسلمين .
- دينكم : وهذه أيضاً مع الكلمة السابقة تأكيد على أن أصل الدين هو للناس المؤمنين به وأن الإكمال إنما كان لأجلهم فقط .
- وأتممتُ: الواو عطف نسق أي كما كان الإكمال كان الإتمام من قِبل الله عز وجل ، لكن مع لفتات مهمة :
- - أن الإكمال غير الإتمام وإن كان المشهور أنهما في ذات المعني أو ما يتقارب – أن الإكمال للدين والإتمام للنعمة – أن الدين لكم والنعمة عليكم وإن كان مصدرهما واحد وهو الله عز وجل – أن الإتمام جاء بعد الإكمال وهذا يُشير إلى أنه لو كفى الإكمال لما إحتاج الأمر إلى الإتمام – أن الإكمال وإن كان يُجبر النقص إلا أن الإتمام يزيده – أن الله نسب الإتمام إلى نعمته . وهذا قد يُفيد :
- - أن الإتمام هو فيض عطاء وتفضل من الله سبحانه وبه يزيد تكامل الدين حتى تصل الأمور إلى أهدافها بنحو أتم وأفضل .
- عليكم : وضُح المُستفاد منها مما سبق .
- نعمتي : أيضاً وضُح المُستفاد كما أشرنا .
- ورضيتُ : الواو عطف نسق ومن إفاداته أن ما بعده غير ما عطف عليه مما قبله . و(رضيت) فيها : أن الرضى كما الإكمال والإتمام ، أي حصوله في زمن محدد مشارٌ إليه بالعهد الزمني الحضوري يعني أنه قبل هذا الزمن لم يكن حاصلاً قبل ذاك اليوم – عدم الرضى السابق عن هذا اليوم فيه إشارة قوية جداً إلى أهمية الحدث فيه وأنه على قدر كبير من الإعتبار لدرجة أنه لولاها لما إكتمل الدين ولما تمّت النعمة الإلهية وإستلحاقاً لما كان ليرضى الله بالإسلام للبشرية .
- لكم : يُسفاد فيها مما سبق .
- الإسلام : دين الله للبشر ورحمته للعالمين .
- ديناً : أي نظاماً للدنيا وخلاصاً في الآخرة .
= = = بعدما جاء أعلاه لا بُد من سؤال :
- - - ما هو هذا الحدث البالغ الخطورة الذي لولا حدوثه في هذا اليوم بالتحديد لبقي الدين ناقصاً ولما تمّت نعمة الله على البشر وحتى أنه لم يكن ليرضى الله بالإسلام ديناً للبشرية ؟؟؟
- وأقول إنّ من لا يسأل هذا السؤال فكأنه لم يقرأ الآية على أقل تقدير .
= بالرجوع إلى علماء المسلمين وكتبهم تجد أنهم فريقان في الحديث عن (اليوم) الذي نزلت فيه هذه الآية
- فريق يقول أنها نزلت في يوم عرفة أي في التاسع من ذي الحِجة في حجة الوداع التي حجّها الرسول صلوات الله وسلامه عليه . وأنه خطب فيهم خطبة الحج وأبان بعض الأحكام وأشار ضمناً إلى قرب وفاته صلوات الله وسلامه عليه .
وقد أوردوا في ذلك على الأقل روايتين وفيهما أن يهودياً أشار إلى المسلمين أن اليوم الذي نزلت فيه الآية يُجدر بهم أن يتخذوه عيداً .
- وفريقٌ يقول أنها نزلت بعد حادثة يوم الغدير حين جمع النبي الأعظم المسلمين في الثامن عشر من ذي الحجة بعد تلك الحِجة وخطب فيهم وقال من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه وأمرهم بمبايعته .....
هذا بإختصار ما أردتُ الإشارة إليه وذكر ملاحظات متجردة إلى أبعد حدٍ .
وقد حرصتُ على أن لا أتبنى في كلامي وشرحي موقفاً محدداً لأن ذكر الموقف للكاتب والمُحلل يُبعده بقدر ما عن الموضوعية وقد يؤدي ببعض القُرّاء إلى التحسس والقراءة من خلال موقف مسبق .
وإن سأل البعضُ : أليسَ عدم إتخاذ موقفٍ واضح للكاتب من حدثٍ بهذه الخطورة كما أشار هوبحدِ ذاته سلبية تؤخذ عليه ؟
لذا أقول : إن في الفكر والعقائد يُفترض بالإنسان أن يُعمل عقله ولا يجوز التبعية العمياء فيها ، وأنا أحاول تحريك العقل والأمل بالله أن أكون قد أصبت .
والحمد لله والله الموفق وهو المستعان .