لن أصعد منبرك - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

03-10-2016

لن أصعد منبرك - بقلم الشيخ ابراهيم فواز

باسمه تعالى
عذراً سيدي لن أصعد منبركَ هذا العام
ثلاثون سنة مضت وانا أتشرف بإعتلاء منبرك الشريف
وأنا أراك ضياء عقلي ونور فكري وهوى مشاعري
ولم أجرؤ يوماً على إمتداحك لأني أعرف قدر نفسي
وكفى :
سيدي أعذرني على قراري وأنا المُشتاق دوماً لسماع ذكر إسمك ، وكم شعرتُ أن ذرّات جوارحي تكاد تُفرط عقدها لتصرخ : يا حسين ..
سيدي ومولاي قد لا يتفهم كثيرون لماذا قلتُ لن أصعد منبرك هذا العام ، بل قد يلومني من يسمع إعتذاري .
لكن قبل أن أوردَ ما أتوهمه عذراً أقول :
سيدي كنتُ كلما قَربَ شهرُ محرمٍ أشعر بأوتار أعصابي في حالةِ إضطرابٍ شديد وكأنها تُريدُ أن تأخذني بعيداً هناك حيثُ تُراب كربلاء وزمان عاشوراء لأشهد بأم العين حدثاً لم يشهد تاريخ الأرض له مثيلاً ...
وفي طريقي أول ليلة من تلك الذكرى أرى رجالاً ونساءً يسارعون الخطى وكأني أرى قلوبهم وعيونهم تصرخ بالأسرع إلى حيث قاعتكَ ومنبركَ فالموعد معكَ لتئن القلوب وتنهمر الدموع . فلا زمان ولا مكان يفصل بينهم وبينك في العاشر من محرّم .
وأتساءل في نفسي : متى صعدتُ المنبر ماذا أقول ؟ ومن أنا لأقول في الحسين ؟
ربما كثيرون سيدي ما كانوا يلحظون الرُهبةُ تتملكني وإرتجافَ أوتاري فأجلس طيلة الليالي العشر على كرسي المنبر لأهديء بعض روعي ، وأنا الذي إعتدتُ الخطابة واقفاً .
لن أذكر أكثر مما كان يُصيبني في موعد ذكراكَ سيدي .
لكن منذ أيامٍ قلتُ في معرضِ كتابةٍ أن من لم يقرأ زيارة وارث كأنه ماعرف الحسين أبداً .
والآن يا سيدي سأقول :
- لم يعد بوسعي أن أكون شاهدَ زورٍ لذا لن أصعد منبركَ.
- أعذرني مولاي :
وأنا كل يوم أرى من يريد قتلك
وأنا كل يوم أرى من يريد قتل جدك
وأنا كل يوم أرى من يريد قتل ذكر لا إله إلا الله
- سيدي يا ضياء العقل والفكر يا حسين
- منذ أيام وفي ذهني أسئلة ملحاحة ، كل آنٍ أعاود ذكرها بيني وبين نفسي وأحاول جهدي تدقيق الإجابة عليها ، وبعدها أقول ويحُ هذه الأمة وويلها وهي لم تكتف بقتل الحسين وأهله سنة 61 هجرية بل تبحث في كل زاوية من زوايا الأرض عن أي حسين وأي أملٍ للحسين وعن أي هدف وجرح للحسين حتى تذبحه من جديد .
- سيدي
- أسئلتي سأذكرها وأذكر بعض ما أجابني التاريخ والواقع عنها :
- من أنت يا حسين ؟
- لماذا قتلوك ؟
- ومن قتلك ؟
وقبل البدء بالإجابة سيدي لن أنس القول أني أبغض الطائفية وأحتقرُ كل طائفي ولو كان يرفع كل شعارات الحق .
نعم سيدي من هنا سأبدأ :
- ربما أغلب من يَبكيك ويرتجف قلبه عشقاً وألماً لكَ
لا يرى فيكَ إلا أنكَ الحسين ابن علي ابن فاطمة ابن محمدٍ الرسول الأعظم . أي الطاهر ابن الطاهرين الذي قٌتِل مظلوماً وذُبِح أهله وأصحابه أمام عينيه وسُبيتْ نساءه .
ولقائلٍ أن يقول : ألا تكفي هذه المظلوميات لرجف القلوب واستدرار الدموع ؟
أقول : بلى والله . وأنا نفسي بكيت تلك الإيزيدية التي سُبيتْ وأنتهكت حرمتها ظلماً وعدواناً .
وأنا من أبكتني تلك المرأة المسيحية حين سمعتُها تُنشِدُ الحسين .
لكن يا سيدي رأيتك في كربلاء أكثر من طاهرٍ مظلوم ابن الطاهرين .
رأيتُك آدم في خلافة الله في أرضه
رأيتُك نوحاً في سفينة نجاته
رأيتُك ابراهيم في دلائله وإمامته
رأيتُك موسى في ثورته
رأيتُك عيسى في محبته
رأيتُ محمداً في رحمته
رأيتُك إختصار كل النبوات في شخصه
رأيتُك كل الصالحين والثائرين في صرخته
رأيتُك كل الحقِ يصرخ هل من ناصرٍ
رأيتُ كل عيون المستضعفين والمحرومين والمظلومين في التاريخ تشخص إليك يوم عاشوراء.
رأيت فيك كل الإنسانية وأنت تقول ما ذنب الرضيع حتى يعطش و يُذبح ؟
من أنت يا حسين ؟ أهذا أنت فقط ؟ أم هذا ما أدركه فكري واستطاعه لساني وقلمي ؟
من أنت الذي يقول إنما أريدُ الإصلاح وأول ما يبذل في طلب الإصلاح دماء أعز الأعز على نفسه ؟
أين الصدق والإخلاص إن لم يكن قد تجسّد جوهرهما في الحسين على أرض كربلاء .
يا ويل هذه الأمة أي فلاحٍ تبغي بعد قتل صرخة الإنسانية ؟
= من أنت يا حسين
وقد استدرجوك عمداً إلى صحراء حيث لا مساكن ولا من يسكنون ولا شاهد ولا من يشهدون ثم ذبحوك وأهلك ليسكتوك .
لكن الزمن طار بإسمك وصرخاتك مئات السنين وسكن ذكر دمك الطالب بالإصلاح مشارق الأرض ومغاربها بل وحتى لا تكاد دويلة في الأقاصي ليس فيها ذكر الحسين .
من أنت وقد ذُبحت هناك في الصحراء البعيدة وصار إسمكَ منارة كل حرٍ ، بينما كل الملوك وطواغيت الأرض بالكاد تذكرهم بعض صفحات التاريخ وبالمخازي ؟
=== يا حسين لماذا قتلوك ؟
الآن عرفتُ أو هكذا رأيتُ :
لأنك عبدتَ الله وحده .
لأنك رفضتَ أن يعبدَ الناس طواغيتَ الحكّام
لأنك قلتُ أن الحرَّ لا ينبغي له أن يصير عبداً
لأنك قلتَ أن الظُلمَ لا يُطاق
لأنك قلتَ إذا لم يُعمل بالحق فلا كرامة للعيش
لأنك قلتَ من لا يُجيب صرخة حقِ فلا حاجة به
لأنك قلتَ ليس بمسلمٍ من بات شبعاناً وجاره جائع
لأنك عجبتَ كيف للمظلوم أن لا يخرج رافضاً للظلم
لأنك قلتَ أن الله فرض أقوات الفقراء في أموال الأغنياء
قتلوك لأنهم عرفوكَ
عرفوا أنك لا تعبد دنياهم
ولا تسعى إلى موائدهم
ولا تُفتي بصلاح جرائم أفعالهم
قتلوك لأنهم أرادوك عوناً لهم في طغيانهم فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا إسلاما بلا دينٍ فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا ديناً بلا إنسانية فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا مسخ النبوة وجعلها ملكاً عضوضاً فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا أن يعود فرعون ليرث موسى فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا الغيم أن يُمطر لهم خاصة دون عباد الله فأبيت
قتلوك لأنهم أرادوا إحتكار الأرض والسماء لسلطانهم فأبيت
عذراً سيدي إن قلتُ لكَ إنهم معذورون
ولا تعجب سيدي من قولي
فما داموا هم هم وأنت أنت كيف لا يقتلوك
وما دام أشباههم اليوم هم هم كيف لا يقتلون كل حرٍ وبريء .
=== لكن يا سيدي يبقى السؤال الأهم .
من قتلك يا حسين
ربما يُقال : القاتل معروف بالإسم
لكني أقول : لا ، فقط الأداة معروفة بالإسم .
وإن قيل : إذاً القاتل معروفٌ بالصفة وقد ذكرتَ الكثير من صفاته .
وأقول : ربما ، لكني سأقول ما عرفتُه ، وإن كان بعض كلامي لن يُعجبَ الكثيرين :
- سيدي يا حسين
- ما عرفتُه خطير :
- أن قتلك عام 61 هجرية في كربلاء كان القتلة الأولى
- وأنهم قتلوك مراراً وما زالوا يقتلونك على مر السنين والأيام .
- وأن قاتليكَ ليسوا أفراداً فقط تجمّعوا في جيش صحراء كربلاء واشترى السلطان واحدهم ب 100 درهم .
- وأن من الغريب أو المضحك المبكي أن الذين قتلوك في كربلاء صلوّا صلاة الظهر وصلوّا عليكَ لأنهم عرفوا أن من لم يُصلِ عليكَ لا صلاة له .
- وأنهم لم يكونوا طائفة من طوائف ومذاهب المسلمين
- وأن أئمة مذاهب المسلمين كلهم كانوا يتبرأون من قتلك وقاتليكَ .
- وأن المسلمين بكافة مذاهبهم يعتبرون حبُك عبادةً يتقربون بها إلى الله .
- وعرفت خطيراً جداً أن ممن قتلوك ويقتلونك أفراداً وجماعات يتغلغلون في كل مذاهب المسلمين لإفسادها وزرع فتنة الصنمية بها .
- وأن مِنْ هؤلاء من يقول أن خروج الحسينِ كان خطيئة ، وتناسوا أن كل الأنبياء والصالحين خرجوا عن طاعة الطغاة إلى طاعة الله وحده .
- وأن مِنْ هؤلاء من يقول أن الحسين مظلوم لكنه مضى إلى ربه ولا حاجة لإستذكار مصيبته وتناسوا أن القرآن ما زال يصدح بسيرة وأسماء المظلومين والظالمين ويأمر بقراءتها تقرباً إليه تعالى شأنه .
- وأن مِنْ هؤلاء مَن يقول أن الحسين ليس إمامَ مذهبنا ولم يقولوا متى كان الحسين إماماً لمذهبٍ من المذاهب غير مذهب الثورة على الظلم والدعوة إلى عبادة الله الواحد الأحد ؟
- وأن مِنْ هؤلاء من يدّعي محبتكَ ويقول أن الحسين إمام مذهبهم وحدهم دون الآخرين وتاه عن فكرهم البليد أنهم بذلك يستنقصون من شأن الحسين ، فكيف يصير إمام الأحرار والإنسانية جمعاء وصوت العدالة الإلهية ، إماماً لمذهبٍ واحدٍ من المذاهب ِ .
- ومِنْ هؤلاء تُجّار المناسبات والمقامات الذين يجدون في كل مناسبةٍ لذكرك مناسبةً لترويج أشخاصهم وبضاعتهم.
- ومِنْ هؤلاء تُجّار عزاء الحسين الذين ما رأوا من شهادته وبذل دماء أصحابه وأبنائه لصرخة الحق ِ إلا سلعةً رابحةً فجعلوا عزاءه مهنة يسترزقون بها ، حتى صاروا ينتظرون وفاة الصغير والكبير لبيع سلعتهم فضلاً عن موسم صاحبِ الذكرى سيد شهداء الإنسانية وأحد سيدي شباب أهل الجنة ، حيث البيع الأكبر والربح الأوفر ، وعواطف العاشقين للحسين لا تسأل عندها عن ذهبٍ ومالٍ .
لأنه متى ذاب العاشقُ في المعشوق أذاب كل الدنيا رخيصة في سبيل عشقه .
=
= فسلام على الحسين وعلى من كان وسيكون على طريق الحسين وعلى كل من عشق وسيعشق الحسين .
وأخيراً أكرر إعتذاري سيدي فأمام كل ما سبق لم يعد بوسعي صعود المنابر للإعانة على غير ما فهمته من شهادتكَ ، سيما سيدي وأنني لن أرضي كل مستمعٍ بما يُريد ، ولن أقدر على قول كل ما أريد .
عذراً عذراّ سيدي وحق سمو طهارة دمائك إلا عذرتني.
والله الموفق والمستعان .