لوح وقلم - بقلم د مهى شومان جباعي

لتزويدنا بأي خبر، مناسبة، صورة.. أو للتواصل مع
"موقع جويا "أنقر هنا

19-06-2019

لوح وقلم - بقلم د مهى شومان جباعي

بقلم : د مهى شومان جباعي لوح وقلم
تعليق الإضراب.....الاستمرار بالإضراب..اجتماع اللجنة التنفيذية ...استقالة رئيسها...لجنة المندوبين ...قانونية القرار....موقف رئيس الجامعة ...مذكرة الرئيس للعودة إلى التدريس...تسجيل صوتي يدعو إلى التظاهر وآخر يناشد الهيئة العامة لاتخاذ القرار......
وتستوقفني كلمة "قرار" وأنا أستاذة مادة "صنع القرار في المؤسسات" في الجامعة اللبنانية...أوليست الجامعة اللبنانية مؤسسة؟ ... أو ليس الوطن مؤسستنا الكبرى التي ننتمي اليها؟ نتظلل بها ونتمسك بها فهي الأنتماء الأول والأخير...أي قرار صنعنا نحن أساتذة الجامعة اللبنانية لنصون هذه المؤسسة الكبرى "الوطن "؟.!.. سؤال مفاجئ حتمًا ..وأنا تفاجأت حين سألت نفسي هذا السؤال.
الجواب كان لدي :دورنا أن ندرس الأجيال...أن نمدهم بتقنيات البحث... أن نعطيهم شهادات ليسافروا في بلاد الله الواسعة...أسئلة لم أفكر فيها يومًا وكأن أساس دوري أن أعطي الطلاب المنهاج كاملا مع ما يتضمن من نظريات وتطبيقات وحالات عملية (عادة ما نستخرجها من الأنترنت لكتّاب من بلاد العم سام المرتاحين لأوضاعهم ) لننتهي بالتحليل العلمي لها والنقاش فيها هذا بالإضافة إلى تقديم الطلاب لأوراق بحثية توزع وتناقش في قاعة التدريس ...اليوم بدأت أتساءل؟ هل هذا جوهر دورنا ...
لنترك جانبًا موضوع الإضراب عن التدريس ....ليأتي السؤال الأهم: وهل أساس دورنا هو التدريس ؟
أظن أننا ومنذ زمن بعيد لم نصنع القرار السليم في ماهية دورنا بوصفنا أساتذة في الجامعة اللبنانية . ينفع أن نكون أساتذة في أي جامعة خاصة لا بل نتميز في التدريس في أي منها أما في الجامعة الوطنية فأظن أن الأمر يستحق المراجعة . لماذا ؟ لأننا غيبنا دورنا في صون حقوقنا لحماية رسالتنا في المؤسسة الوطنية وبالتالي في خدمة الوطن ....أنا لا أعني حتما المكتسبات والتقديمات وصندوق التعاضد ولا حتى موازنتها بل دورنا في حماية جوهر وجودها جامعة وطنية يمكنها أن تصلح وطنًا...لقد استوقفني تعبير"إننا مسؤولون عن أمكانية ضياع عام دراسي لكن أحدا لم ينظر إلينا على أننا بناة وطن.فعليًا وبكل صدق نحن مسؤولون ليس فقط عما يقارب 81000 طالب بل عن مستقبل هؤلاء في وطن أغف ...رقمًا يسترعي الأنتباه....صناع الغد...أبناءنا الأعزاء المتعطشين دوما لفكرة أو رأي "الأستاذ" في موضوع ما لما يمثل له هذا "المربي" وعنيتها المربي من قيمة واحترام...
أنا لا ألمح مطلقًا الى تسييس عملنا الأكاديمي من طرح لأفكار سياسية وتعليق على المسارات والأحداث سواء على مستوى الوطن أو العالمين العربي والعالمي في محاضراتنا مع أن ذلك قد يكون مطلوبا في كلية العلوم السياسية إنما هذا حتما ليس من صلب دورنا...ونعود للسؤال الأول :وهل دورنا هو التدريس؟
خلال الفترة الماضية استوقفني هذا السؤال بسبب ما تعرض له الأستاذ في الجامعة الوطنية من أساءة وهو لا شك موجع ولكن يجعلنا نرى بوضوح بعض الحقائق ..وحتما دون أن نعطي أي تبرير لكل من هاجمنا ..باختصار إننا بوصفنا أساتذة في جامعة الوطن لم نمارس عمق دورنا في مؤسسة الوطن ولم نعرف يوما قيمة هذا الدور على مساحة المؤسسة الأم عنيت الوطن. فلا تلوموا من تجاهل دورنا لأننا لم نمارس يوما عمق دورنا.
بداية ، نحن حملة رسالة وبالتالي رسالتنا أو دورنا الرسالي ليس التدريس بل التعليم .دورنا ليس منح الشهادات بل أن نشهد أمام الوطن وضمائرنا أننا حضرنا أبناءه ليكونوا حماة له في مواقعهم المستقبلية .دورنا ليس فقط أن ندرسهم تقنيات البحث بل ان يتعلموا كيف يبحثون مستخدمين تقنيات أبعد وأشمل ألا وهي تقنيات الفكر البشري بما يتضمن من تطوير وتغيير .دورنا وواجبنا ليس انهاء المقرر ولا تلوموا من حدد دورنا كذلك، فنحن جعلناه كذلك . المقرر وسيلة وليس غاية أبدا.
الفترة الأخيرة جعلتني أفكر نعم وللمرة الأولى ما مدى تأثيرنا بوصفنا أساتذة جامعيين ونحن مسؤولون عن شريحة واسعة من أبناء الوطن 81000 طالب...والجواب الموجع جاءني: التأثير محدود ولا يتعدى قاعة المحاضرات ....دورنا فقط إنهاء المقررات تحضيرا لإنجاز الامتحانات وتسهيلا لسفر من يود ترك البلاد...لماذا يتركون البلاد وهو السؤال الأهم ...لا أحد يسأل بل نحن ملامون أمام الرأي العام لتأخير أو عرقلة موضوع السفر هذا من خلال إضرابنا..نعم لأننا قررنا أن يكون تأثيرنا محصورا ومحدودا في هذا الإطار لذلك علينا أن لا ننزعج اذا ما أخذوا مطالب القوات الأمنية على محمل الجد...لماذا ؟ ذلك لأن دورهم ليس الوقوف على الحواجز أو القيام بالدوريات بحسب جدول المناوبات إنما دورهم "حفظ الأمن".ولا تنزعجوا من تأثير القضاة لأنهم ورغم الملاحظات مؤخرا على جسم القضاء فان دورهم لا يقتصر على حضور الجلسات بقدر ما هو "إقامة العدل" .فلو كان دورنا التعليم بما يؤدي الى صناعة الوطن وبالتالي تغيير الواقع عبر إعطاء الدروس مترافقة مع التنمية الفكرية والتوجيه والريادة في رفع ومعالجة قضايا الوطن من خلال ما نعطي وفي كافة الكليات والعلوم أظن أننا حينها ما كان دورنا ليقل أهمية عن كافة ما ذكرت من أجهزة نكن لها الأحترام والتقدير ونتمنى لها الحقوق المصونة.
ما المطلوب تحديدا؟ المطلوب أن نتخذ قرارا بالتعليم وهو أبعد من التدريس...بأن نكون مع ابنائنا من طلاب الجامعة أساس حركة التغيير من خلال العلم والفكر والثقافة.
مثلا :في كليات الأدارة أن تدرس النظم الأدارية نظرياتها وأسسها ويعلم الطلاب مشاكل أداراتنا ومؤسساتنا وكيفية صنع القرارات وآليتها بالمقارنة مع بلدان العالم وأسباب الفساد في وطننا مع زيارات للطلاب للمؤسسات وعلى كافة المستويات للاطلاع ومراجعة المعنيين بهدف الإفادة والاستفادة ....أن نعلم الأطباء بالأضافة لفن الطب نظامنا الصحي ومشاكله ومجالات تحسينه ودورنا في ذلك وهو أبعد من إجراء عملية لفرد رغم أهميته وأن نعلمهم أننا جميعنا معنيون بالرعاية الصحية في الوطن ولا مانع من لقاء القيمين على الواقع الصحي لدراسة تحديات الرعاية الطبية أسبابها وحلولها ..أن نبحث مع طلبة الحقوق قوانين الوطن بعين تسعى للتغيير والتوقف عند حقوق المواطن وواجبات السلطة وننزل بهم الى الشوارع ليروا ويسمعوا كيف تمارس هذه الحقوق وكم انتهكت ...والتحرك معهم نعم التحرك السلمي المطلبي لصيانة هذه الحقوق... لم لا؟ ونحن مؤسسة العلم والفكر والثقافة والوطن وطننا...أن نذهب بأبنائنا من طلاب العلوم البيئية الى مكبات النفايات ومجاري الأنهار والشاطئ الملوث ليعاينوا وبأم العين حال البيئة في وطننا ويتوجهوا الى السلطات المعنية تدعمهم كلية الأعلام للمطالبة بوقف هذه المهزلة البيئية ...أن يدرس طلاب التربية في المدارس الرسمية ويروا بأم العين التخطيط التربوي ونتائجه ويكون لهم الدور الفاعل في تغيير الواقع عبر زيارات للوزارات المعنية (فتربية الأجيال لا تتوقف فقط على وزارة التربية التي تعتبر حتما المسؤول الأول) والمناقشة والمطالبة بمدارس تراعي وتحتضن قدرات واختلاف الطلاب وحقهم في بيئة حاضنة تعزز المواهب وتتبناها.....دورنا أن نكون ليس فقط معلمين لطلابنا بل قادة لهم في تطبيق العلم المكتسب في مؤسسات الدولة .
لا حالات عملية من غوغل بعد اليوم فلدينا ما يكفينا لنوزع على العالم حالات عملية عسى أن يجدوا لنا حلولا...
علينا أن نعي تماما الفرق بين أن نكون جامعة وطنية وليس خاصة...نعم فعلى عاتقنا تقع مسؤولية وطن ..ومن أكثر منا مسؤولية تجاه الوطن ونحن نعلم آلاف المحامين والأطباء والأداريين والمهندسين والفنانين المبدعين ...وغيرهم وغيرهم من أبناء الوطن
أعزائي نحن أصبحنا حالة بحد ذاتها ...أنا حتما لا ألغي أهمية تدريس أساسيات أي مادة ولكن للمؤسسة الكبرى علينا حق وال81000 طالب لهم علينا واجب ، أن نستغل هذه العلوم وهذه الكفاءات لبناء وطن . وأبسط مثال على صحة كلامي الفترة التي استهلكها الأساتذة لشرح أهمية الاضراب وبأن الهدف هو المؤسسة الجامعة والمؤسسة الأم وللأسف وحتى اللحظة لم يقتنع عدد من الطلبة بأهمية المرحلة ولكنهم مقتنعون جدا بأنجاز المناهج و المقررات ...
ختاما
الى طلابنا الأعزاء: لا تلوموننا أبنائي عندما رفعنا عن اللوح القلم
فقد كان كل مبتغانا جامعة لكم رائدة وكرامة لنا في وطن....

د مهى شومان جباعي
أستاذة في الجامعة اللبنانية